طهران غارقة في الظلام… والشعب يردّ بالغضب
القطيعة بين النظام والمجتمع تتعمق وسط أزمات معيشية وانفجار غضب الشارع
في الأسبوع الثاني من شهر مايو 2025، تفجّرت موجة احتجاجات شعبية في العاصمة الإيرانية طهران وضواحيها، على وقع انقطاع متواصل للكهرباء تجاوز حدود التحمّل، وأعاد إلى الواجهة هشاشة البنية التحتية في البلاد، وعمق السخط الشعبي ضد النظام، في ظل أزمة اقتصادية خانقة ومناخ سياسي مأزوم.
وبحسب ما أقرّت به صحيفة «آرمان ملي» الحكومية في عددها الصادر يوم 5 مايو 2025، فإنّ انقطاع الكهرباء الذي بدأ منذ منتصف أبريل، والذي كان يُفترض أن يكون مؤقتًا لا يتجاوز أسبوعين، قد استمر بوتيرة متصاعدة، وامتد إلى مناطق واسعة في محافظة طهران، من شميرانات شمالًا إلى شهريار غربًا. كما تمّ تسجيل انقطاعات متكررة استمرت لساعتين إلى أربع ساعات في كل مرة، غالبًا دون أي إعلان أو تنسيق مسبق.
اللافت أنّ الانقطاع المتزامن للكهرباء لم يتوقف عند حدود الإزعاج المعيشي، بل أدى إلى أزمة حقيقية في مناطق تعتمد على الآبار الكهربائية في ضخ مياه الشرب، مثل مدينة صباشهر، حيث سُجّلت حالات انقطاع للمياه تجاوزت الأربع ساعات، ما أثّر مباشرة على حياة السكان اليومية.
في شمال طهران، وتحديدًا في شميرانات، تجاوزت مدة الانقطاعات الكهربائية المُعلنة، لتصل إلى أكثر من أربع ساعات، وسط عجز تام من الجهات المعنية في الردّ على استفسارات المواطنين الغاضبين. هذا الإهمال المؤسسي أشعل فتيل احتجاجات شعبية، اتخذت طابعًا سياسيًا حادًا، عبّرت عنه هتافات المتظاهرين بشعارات مثل: «الموت لخامنئي»، و«الموت للدكتاتور»، و«الموت للبسيج».
وفي يوم الأربعاء 6 مايو 2025، تكررت حوادث الانقطاع الواسع للكهرباء في مناطق مثل طهران، برديس، مدينة ري، سلطانآباد، بهارستان، وشهريار. ونقل أحد سكان طهران أنّ الكهرباء انقطعت مرتين في يوم واحد، الأولى لمدة ثلاث ساعات ونصف، والثانية بلا إنذار مسبق، مما أدى إلى توقف الإنترنت، وانقطاع شبكة الهاتف المحمول، فضلًا عن انقطاع المياه.
وفي برديس، ارتفعت أصوات المتظاهرين وهم يهتفون: «في قبرك يا خامنئي»، في إشارة مباشرة إلى رأس النظام. وفي جامعة طهران الوطنية، نظّم طلاب السكن الجامعي للبنات وقفة احتجاجية رافعين شعار: «الطالب يفضّل الموت على الذل»، في تحرّك يشير إلى انخراط الجيل الشاب في الحراك الشعبي.
وأما في مدينتي ري وبهارستان، فقد تجمّع المواطنون أمام مباني القائممقاميات دون أن يُفتح لهم الباب، على حدّ تعبير أحدهم: «ذهبنا إلى مبنى القائممقامية، ولم يفتحوا لنا الباب. لمن نشتكي هذا الألم؟».
المشهد لم يختلف كثيرًا في سلطانآباد وشهريار، حيث انضم التجّار والمواطنون إلى صفوف المحتجّين، تنديدًا بعجز النظام عن تأمين الخدمات الأساسية.
دلالات سياسية واجتماعية عميقة
أبرز ما يميّز هذه الجولة من الاحتجاجات، هو اتساع الشرائح المشاركة فيها، من طلاب الجامعات إلى أصحاب المحلات، ومن سكان الأحياء الراقية إلى الأحياء الفقيرة. كما أنّ الشعارات المرفوعة لم تعد تقتصر على المطالب المعيشية، بل طالت النظام برمّته، في دعوة واضحة للتغيير الجذري، بعد تآكل الثقة بأي إصلاح محتمل.
الشعارات من نوع: «في قبرك يا خامنئي»، و«الموت للدكتاتور»، تعبّر عن تجاوز المجتمع لحالة الانتظار، وتؤشر إلى قطيعة واضحة بين الشعب والسلطة. أما العبارات التي تتكرر على ألسنة المحتجين: «القائممقام ليس هنا»، أو «لا أحد يردّ علينا»، فهي ترجمة فعلية لعجز مؤسسات النظام عن الاستجابة، ومظهر من مظاهر تفكك السلطة.
موقف المقاومة الإيرانية
رئيسة جمهورية المقاومة الإيرانية، مريم رجوي، عبّرت في تغريدة لها عن دعمها لهذه التحركات، قائلة:
«انقطاع الكهرباء المتكرر والمفاجئ من دون سابق إنذار في مختلف المدن شلّ حياة الناس وأثار صرخات احتجاج من مختلف الشرائح الاجتماعية. تحية لأهالي طهران والمدن المجاورة، بما في ذلك برديس، رباط كريم، بهارستان، برند، نسيم شهر وجلستان، الذين واجهوا انقطاع الكهرباء بهتافات «الموت لخامنئي» و«الموت للديكتاتور»، مستهدفين بذلك السبب الرئيسي لكل آلام ومصائب الشعب الإيراني».
تأتي هذه التطورات في وقت يصرف فيه النظام الإيراني معظم موارده على الحروب الخارجية وتمويل الإرهاب، في وقت يتجاهل فيه الاحتياجات الأساسية للشعب. ومع كل أزمة معيشية جديدة، تتقوّى احتمالات الانفجار الاجتماعي، لا سيما مع انعدام الحلول وتوسّع الهوة بين السلطة والمجتمع.
الاحتجاجات الأخيرة ليست إلا جرس إنذار جديد لنظام يعيش على حافة السقوط، في وقت يتزايد فيه الوعي الشعبي، وتتقدّم المعارضة الديمقراطية بقيادة المقاومة الإيرانية كمشروع بديل قادر على إخراج إيران من دائرة القمع والفساد والانهيار.